الأماكن المقدسة في مدينة القدس
المسجد الأقصى
المسجد الأقصى هو أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين. وكان القبلة الأولى للمسلمين، حتى السنة الثانية للهجرة، حيث تحولت القبلة إلى المسجد الحرام، كما ورد في قوله تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ . وقد ورد ذكر المسجد الأقصى في قوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ . ويشكل المسجد الأقصى مع قبة الصخرة الحرم القدسي.
والمسجد الأقصى، هو ثاني مسجد بناه إبراهيم ـ كما ورد ذلك عن النبي ـ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ. قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ: قَالَ ثُمَّ الْمَسْجِدُ الأقْصَى. قُلْتُ كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً. فهذا، الحديث يدل على أن المسجد الأقصى بناه إبراهيم ـ لأنه حُدِدَ بمدة، هي من حياة إبراهيم ـ وقد قُرن ذكر المسجد الأقصى، بذكر المسجد الحرام الذي بناه إبراهيم ـ أيضا. وهذا مما أَهْمَلَ أهلُ الكتاب ذِكْرَهُ، وهو مما خَصَّ الله نبينا، بمعرفته .
ويُعرف المسجد الأقصى ببيت المقدس، والأقصى أي: الأبعد، والمراد بعده عن مكة، لأن الله جعله نهاية الإسراء من المسجد الحرام. وقد ثبتت له هذه التسمية بنص القرآن، في أول سورة الإسراء.
وهذا الوصف الوارد في القرآن ( الأقصى ) صار علما على مسجد بيت المقدس، كما كان المسجد الحرام علما على مسجد مكة. قال ابن عاشور: "وأحسب أن هذا العِلمُ من مبتكرات القرآن، فلم يكن العرب يصفونه بهذا الوصف، ولكنهم لما سمعوا هذه الآية فهموا المراد منه، أنه مسجد إيلياء ( اسم من أسماء مدينة القدس ). ولم يكن مسجدَ، لدين إلهي غيرَ هذا المسجدِ ومسجد مكة" .
وتجدر الإشارة هنا، إلى حادثة الإسراء حينما وقعت، لم يكن المسجد الأقصى ببنائه المعروف الآن موجودا. كما أن مسجد الصخرة، المعروف هذه الأيام، لم يكن موجودا كذلك. وإنما الذي كان موجوداً، هو مكان المسجد المحاط بسور فيه أبواب، داخلها ساحات واسعة، وهذا هو المقصود بالمسجد الأقصى في الآية الكريمة؛ إذ إن الإسلام قد جاء، والمسجد قد تهدّم بناؤه، ولكن ظل المكان معروفا ومقدسا.
وأحاديث الإسراء تدل على أنه أُسْرِيَ بالنبي ـ إلى بيت المقدس، راكبا البُراقَ، يصحبه جبريل، فنزل ـ وصلى بالأنبياء إماماً، وربط البراق بباب المسجد؛ أي باب السور الخارجي، وحائط البراق، هو الحائط الذي يسميه اليهود ـ الآن ـ حائط المبكى؛ إذ يعتبرونه أحد أسوار الهيكل القديم، وهو بالقرب من باب المسجد، الذي يفتح على الساحة.
ويروى أن أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب ـ حين فُتح بيت المقدس، استشار كعب الأحبار ـ الذي كان يهوديًا وأسلم ـ وقال له: أين أَضَعُ المسجدَ؟ فقال كعب: اجعله وراء الصخرة. فقال: ضاهيت اليهودية يا كعب، بل نجعله في صدر المسجد؛ يقصد الساحة.
أمّا المسجد الأقصى، القائم اليوم، فقد بُني في عهد الأمويين، بدأ بناءه الخليفة عبدالملك بن مروان، وأتم بناءه الخليفة الوليد بن عبدالملك. وقد حدد المقدسي طول المسجد الأقصى، بألف ذراع، وعرضه بسبعمائة ذراع، وأنه يضم أربع منائر للمتطوعة، ومنارة للمرتزقة، وثلاث مقصورات للنساء، وثمانية أبواب، وأربعة محاريب.
ويشمل المسجد الأقصى:
أ. المسجد الأقصى الذي تقام فيه صلاة الجمعة، في عصرنا الحاضر، والذي يقع في الجهة القبلية من ساحة الحرم القدسي، فهو بناء عظيم، به قبة مرتفعة مزينة بالفصوص الملونة، وتحتها المنبر والمحراب. يمتد بناؤه من جهة القبلة إلى الشمال في سبعة أروقة متجاورة، مرتفعة على الأعمدة الرخامية، والسواري التي تضم 33 عموداً رخامياً، وأربعين سارية مبنية بالحجر
ب. الصخرة المشرفة للصخرة المشرفة تاريخ ديني عريق؛ فعندها اتخذ إبراهيم معبداً ومذبحاً. وهي التي أقام عندها يعقوب مسجده، بعد أن رأى عموداً من النور فوقها. وهي التي نصب عليها يشوع قبة الزمان، أو خيمة الاجتماع، التي أنشأها موسى في التيه. وهي التي بنى عندها داود محرابه، وشيد سليمان ـ عندها المعبد العظيم المنسوب إليه. وهي التي عرج من فوقها النبي ـ إلى السماء في ليلة الإسراء. وأول من بنى فوقها مسجداً ـ في العصر الإسلامي ـ هو الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان. وهو المسجد المعروف بمسجد الصخرة، والمشهور بقبته الذهبية على المبنى المثمن، والذي تنصرف الأذهان إلى صورته كلما ذُكر المسجد الأقصى.